جيان بوظو
كثيرة هي القرارات الدولية حول حماية الأطفال في الحروب والنزاعات المسلحة، وقد حدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ستة انتهاكات جسيمة ضد الأطفال في أوقات الحرب، وأدانها، هي: قتل الأطفال وتشويههم، وتجنيد الأطفال، واستغلالهم من جانب القوات المسلحة والجماعات المسلحة، والهجمات على المدارس أو المستشفيات، والاغتصاب أو غيره من أشكال العنف الجنسي الجسيم، واختطاف الأطفال، ومنع وصول المساعدات الإنسانية للأطفال. إلا أن تلك القرارات تتحول إلى حبر على ورق عندما يتعلق بأطفال شمال وشرق سوريا الذين يتعرضون للقتل والتشريد والتهجير القسري، ويفقدون أجزاء من اجسادهم أمام مرئ العالم دون أن يحركوا ساكناً.
في 8 كانون الثاني 2022 تعرضت قرية قره موغ التي تبعد 20 كم شرقي كوباني لقصف تركي عشوائي أصيب على إثره 12 مواطناً بينهم نساء وأطفال بينهم الطفل “عبدو مصطفى حنيفي” الذي بترت ساقه نتيجة ذلك.
تواصلتُ مع والدي الطفل عبدو لأتمكن من الإحاطة بظروف إصابته، قال والده مستذكراً ما حدث يوم القصف: (كنت جالساً أمام بيتي وكان طفلي يلعب أمام البيت، وفجأة انهالت علينا قذائف المدفعية وسط عائلتي وأصيب على إثرها طفلان وأربع نساء من عائلتي، كان وضع عبدو حرجاً، حيث نقلو الى مشافي الرقة ومنبج. كان المشهد مرعباً.. فجأة تغير كل شيء.. لا أريد تصديق ما حصل في ذلك اليوم.. حالة عبدو النفسية متدهورة جداً.. فهو يفزع من أي صوت يسمعه وهذا ما يزيد من مخاوفنا عليه.. عبدو الذي كان يملئ المنزل فرحاً وسروراً أصبح يشعر بخوف حتى من صوت الضحك المرتفع(.
ورغم إطلاق مستخدمي وسائل التواصل الافتراضي حملة هاشتاك بعنوان “أنا لست إرهابي أريد قدمي” تضامناً مع الطفل عبدو حنيفي، إلا انه وكما يقال لا حياة لمن تنادي.
فيما بعد تمكنت الإدارة الذاتية من بناء مشروع تركيب الأطراف الصناعية وكانت الخطوة الأولى التي بدأت بها هي القيام بالعلاج الفيزيائي للطفل عبدو.
لم تركب الساق الاصطناعية للطفل عبدو حتى الآن بسبب التهاب وتورم ساقه و بسبب رفض عبدو للعلاج نتيجة الخوف والصدمة النفسية.
وفي حادثة مماثلة في10 تشرين الأول 2019 نتيجة القصف التركي على مدينة قامشلو بترت ساق الطفلة سارة والتي فقدت أخيها وأصيب آخر في عينه. سارة ومحمد اللذان خرجا للهو، لم يكونا يعلمان أن لعبة سياسية أكبر ستقلب الوضع بأكمله رأساً على عقب.
تواصلتُ مع والدة الطفلة سارة التي ذكرت لي معاناة طفلتها من جراء اصابتها بالقصف التركي: (أجريت العديد من العمليات لطفلتي التي كانت تبلغ من العمر ثمانية أعوام فقط.. ما كان ذنبها؟!! بقيت تتألم من جراحها أكثر من أربعة شهور إلى أن استقر وضعها. في البداية من هول المصاب تأثرت نفسية طفلتي كثيراً.. كانت تسأل عن ساقها باستمرار.. كنا نمزح معها ونقول لها أن الأطباء سيجلبون لها ساقها.. وبالتعاون بين الهلال الاحمر الكردي ومنظمة مام نُقلت سارة الى مدينة السليمانية في إقليم جنوب كردستان وهناك قدموا دعماً كبيراً لابنتي.. ساعدوها معنوياً وجسدياً.. والآن سارا بدأت بالسير على قدمها الاصطناعي وهي تذهب إلى مدرستها بكل نشاط.. كل ما أفكر فيه كيف لطفلة أن تتحمل كل هذا.. بقيت تسألني عن أخيها لمدى سبعة أيام إلى أن أخبرناها باستشهاده.. عانت كثيراً من هذا الأمر.. كان وجعاً آخراً يضاف إلى وجعها في ذلك العمر الصغير(.
يجدر التنويه أن حالات بتر الأطراف لدى الأطفال في مناطق الإدارة الذاتية تزداد مع ازدياد القصف الذي تتعرض له المنطقة من قبل دولة الاحتلال التركي، دون أن يكون هناك أي رد فعل دولي جدي تجاه الأعمال العدائية التركية المستهدفة للمدنيين وبينهم أطفال. وقد وثق مكتب حماية الطفل في النزاعات المسلحة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ما يقرب 10 أطفال الذي كانوا ضحايا قصف الاحتلال التركي لمناطقنا. ومن ناحية التواصل مع المنظمات الحقوقية الدولية فإن علاقة مكتب حماية الطفل في النزاعات المسلحة في الإدارة الذاتية (بحسب مكتب حماية الطفل) مبنية ضمن ما تم إدراجه في اتفاقية حقوق الطفل في عام 1989 وأيضاً وضمن ما أقرته جمعية العمومية لحقوق الإنسان حيث يتم استبعاد القاصرين من النزاعات المسلحة والعمل على التوعية المجتمعية فيما يخص عمالة الأطفال والإشراف على إعادة تأهيل الأطفال الذين يعانون جراء هذه النزاعات المسلحة، وقد استحدث قسم “إدارة حالة الطفل” بغية إعادة تأهيل الأطفال من أجل إعادة دمجهم داخل المجتمع ،مندين بحالة الصمت من جانب المنظمات الحقوقية الدولية تجاه هجمات وانتهاكات الاحتلال التركي بحق شمال وشرق سوريا وأهلها وأطفالها، هذا الموقف السلبي ومطالبون العالم برد دينهم والوقوف في وجه الاحتلال التركي.
وهنا ما يجدر قوله والسؤال عنه.. إلى متى سنعاني من الازدواجية في معايير الأمم المتحدة؟!!إلى متى سيسلب من أطفالنا أبسط حقوقهم؟ وإلى متى سيكون العالم بأسره صم بكم وعمي عن ما يحصل من جرائم حرب في مناطقنا المحتلة؟!! بأي حق يمكن لدولة الاحتلال التركي أن تقتل طفولة عبدو وسارة وغيرهم من أطفال شمال وشرق سوريا؟.!! ألف سؤال يخاطب وجدان البشرية ومن يدعون الإنسانية والحقوق!!.








