لابّد لنا أن نذكر بأنّ المرأة تُشكل نصف المجتمع وتساهم في تنشئة النصف الآخر؛ لذلك المرأة هي العنصر الأساسي والفعال في بناء المجتمعات البشرية منذ الأزل, وتقاس وتقوم الحياة بينها وبين الرجل على أُسس التشاركية, فمنذ هبوط سيدنا آدم على سطح الأرض بانت لنا الملامح من خلال هذه الثنائية التي على أساسها استمرّت البشرية.
لكن مع مرور الزمن وظهور أنظمة السلطة والدولة تمّ تهميش دور المرأة وأيضاً من خلال ممارسة العقائد الدينية التي تم من خلالها قوقعة المرأة ضمن أُطر ضيقة سلبت منها حقوقها كفرد من المجتمع, ولا ننسى بأنه مع ظهور نظام الدولة القومية تم تهميش المرأة بشكل فعلي ليتم تسليط الضوء على أنّ المرأة أصبحت مجرد سلعة بيد الذهنية الذكورية.
ففي الشرق الأوسط الذي تعرض للكثير من الانكسارات والتصدعات نتيجة غناه بالثروات الباطنية والموارد الطبيعية والتي جعلته بشكل أو آخر محط أنظار الدول الطامعة, وأصبح عرضة للاستغلال, ومازال يعاني حتى وقتنا الحاضر, فما يحصل في الدول العربية من خلال ثورات الربيع العربي على وجه الخصوص هو أكبر دليل على استهداف الشرق الأوسط وتمزيقه, وسوريا خير مثال على ذلك, علماً أنّه في سوريا منذ عام 2011 تاريخ اندلاع الثورة السورية مازلنا نعاني من الأزمات بعد انحراف الثورة السورية عن مسارها الصحيح, حيث أصبح الشعب السوري بكل مكوناته و أطيافه وعقائده مستهدفاً من قبل الدول الطامعة في خيرات سوريا, فقُتل من قُتل وشُرد من شُرد ونزح قسم وقسمٌ آخر هاجر والمتبقي يعاني من أزمات نفسية وعاهات جسدية وانتكاسات اقتصادية تطال الفرد والمجتمع بآن واحد.
فقد كانت المرأة هي العنصر الأكثر تضرراً في هذه الأزمة لأنها فقدت الأب والأخ والزوج والإبن وكل هؤلاء كانوا سنداً لها وأصبحت وحيدة ضمن مجتمع تنتشر فيه ذئاب بشرية, حيث وقع على عاتقها كامل المسؤولية بدءً من العناية بنفسها وأولادها وأبويها وأصبحت هي المعيل الوحيد لأسرتها ولأهلها في معظم الحالات الخاصة وأيضاً تعرضت للابتزاز والاغتصاب والظلم والاضطهاد ولكل أشكال العنف ومازلت تعاني لهذه اللحظة.
ولكن في مناطق الإدارة الذاتية وبعد تحريرها من التنظيمات المتطرفة المتمثلة بداعش بدأت المرأة تُدرك ذاتها وأخذت دورها في كافة مجالات الحياه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية من خلال تفعيلها ضمن مؤسسات نسوية حافظت على كيانها واستطاعت أن تأخذ حقوقها الشخصية والمعنوية, واستطاعت أن تنظم نفسها ضمن هذه المؤسسات, حتى أنها أصبحت قيادية وسياسية في المجتمع, ومن خلال استلامها هذه الأدوار استطاعت المرأة أن تثبت للعالم أنها قادرة على حماية نفسها وحماية مجتمعها من خلال مشاركتها في كافة النواحي, بحمل السلاح للمشاركة في الدفاع عن بلدها, حتى أنها كانت تُضاهي المرأة الأوربية في العسكرة, بل تتعداها ومن خلال نظام الرئاسات المشتركة كانت قيادية بشكل فعلي وحقيقي وكانت على قدر هذه المسؤولية الموكلة لها وتبوأت أماكن صنع القرار وكان لها دور واضح من خلال تمثيلنا في البعثات الدبلوماسية في المحافل الدولية وكان لها رأي وقرار يخدم المجتمع بشكل إيجابي.
فالمرأة في مناطق الإدارة الذاتية أخذت دورها بشكل حقيقي وليس بشكل شكلي, وقد حققت إنجازات كثيره على مستوى تحرير المرأة وتطويرها, وحافظت أيضاً على كافة المكتسبات بالرغم من الإمكانيات البسيطة وما حققته المرأة في مناطقنا يُعتبر قفزة نوعية في تاريخ المرأة السورية.
لكن مازلنا بحاجة إلى الكثير لكسر قيود المجتمع التي تكبّل وتُعيق تقدم المرأة وتطورها لكسر هذه العادات والتقاليد البالية التى تُحجّم دور المرأة.
لذلك نحن كنساء نناضل بشكل دؤوب من أجل خلق امرأة أخلاقية, امرأة سياسية تعرف مالها من حقوق وما عليها من واجبات, وطالما نحن نسير بهذا الطريق سنصل وسنحقق كل طموحات ورغبات المرأة في التحرر الفكري وتطوير المجتمع بكافة نواحيه
بقلم : أ- منى الخلف